الجمعة، 17 مايو 2013

إجراءات «احتياطية» لمنع وصول صادرات أوروبا من الأسماك «المعلفة» بلحم الخنزير إلى السعودية


مطالبات بتنسيق دول العالم الإسلامي لوقف تصدير هذه الأغذية إليها

لم تكد فضيحة «لحوم الخيول» الأوروبية التي فاجأت العالم تضع أوزارها، حتى استيقظت القارة العتيقة على قرار وافقت بموجبه المفوضية الأوروبية على إدخال لحوم خنازير إلى أعلاف الأسماك، بديلا لطحين الأسماك.

وسارعت الجهات المعنية في السعودية إلى اتخاذ إجراءات لضمان عدم وصول الأسماك التي تتغذى بلحوم خنازير إلى البلاد.

وقال رئيس جمعية حماية المستهلك في السعودية الدكتور ناصر التويم لـ«الشرق الأوسط»: «إن مركز الإنذار المبكر في الجمعية يرصد تداعيات هذا التوجه الأوروبي، بهدف مخاطبة الجهات المتخصصة للتعاون من أجل عدم تضرر السعودية به».

وأضاف أن المواصفات السعودية محددة وصارمة في هذا الشأن الذي يتعلق بقيم الشعب السعودي تحديدا، مشيرا إلى أن هذه المواصفات معروفة لدى جميع الدول ومسجلة في الاتفاقات المتبادلة.

واستبعد أن تتضرر السعودية من هذه الأسماك التي تتغذى على لحوم خنازير، معتبرا أن التجار الأوروبيين يعون حجم السعودية وسوقها، ولن يغامروا بخسارة هذه السوق.

وطالب رئيس جمعية حماية المستهلك بوقفة من دول العالم العربي والإسلامي لوقف تصدير مثل هذه المنتجات ومخاطبة الجهات المعنية وحثها على منع هذا الأمر.

وتضع هيئة الغذاء والدواء السعودية جميع الأغذية التي يدخل في إنتاجها لحم الخنزير أو دهنه في قائمة السلع الممنوع استيرادها.

وتشترط هيئة الغذاء والدواء على الشركات الراغبة في استيراد لحوم إلى السعودية، أن ترفق شهادة صحية معتمدة من السلطة الرسمية المتخصصة توضح فيها نوع اللحوم وأسماء العينات، وتأكيدا بأن الحيوانات أو الطيور لم يتم تغذيتها بأعلاف مصنعة من مواد بروتينية حيوانية أو شحوم أو مخلفات حيوانية، وأن الحيوانات لم تعامل بأي مواد ذات نشاط هرموني كمحفزات النمو.

وتنتهج «هيئة الغذاء» طريقة من أربعة بنود للتفتيش على الإرساليات الغذائية، تشمل تدقيق مفتشي الغذاء المستورد في المنافذ الحدودية في الشهادات والمستندات المرافقة لإرساليات المواد الغذائية، والتأكد من اكتمالها، ومن مطابقة جميع الأصناف الواردة في الإرسالية مع المستندات، وإجراء الفحص الفيزيائي على حاويات الإرسالية للتثبت من مطابقة الأصناف الغذائية للوائح الفنية والمواصفات القياسية، والتأكد من وجود جميع البيانات الإيضاحية على جميع الأصناف الممثلة للإرسالية، وإحالة الأصناف التي يرى المفتش ضرورة إحالتها إلى المختبر لإجراء تحاليل مخبرية عليها.

ويمكن أن يتم رفض الإرسالية وعدم السماح بدخولها لأسواق المملكة في أي مرحلة من مراحل التفتيش الأربع.

وأطلقت حركة «آفاز» الدولية (وهي تجمع يضم أعضاء من أنحاء العالم ويتولى توصيل السياسات التي يدعمها الناس إلى دوائر صنع القرار حول العالم)، حملة عالمية للتصدي لتصدير أسماك أوروبية تغذى سرا بلحوم خنازير إلى منطقة الشرق الأوسط.

وأكد موقع الحركة في بيان إلكتروني (تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه)، أن الأسماك التي تغذى بأعلاف تحوي لحوم خنازير هي ذاتها التي يتم استيرادها وبيعها بكميات كبيرة في الشرق الأوسط، مشيرة إلى أنه لن يكون هناك أي إشارة لهذا الأمر على غلاف عبوة السمك لإعلام المستهلك بأن ما يأكله ويطعمه لأسرته يغذى على لحم خنزير.

وشددت «آفاز» على أن خطوة السماح بإدخال لحم الخنزير في غذاء السمك خطرة صحيا، إذ إن هذا العلف ذاته الذي وافقت عليه المفوضية الأوروبية كان قد مُنع سابقا نظرا لارتباطه بمرض جنون البقر، إلى جانب كون تغذية الأسماك على لحم الخنزير منافية للطبيعة، لكن المفوضية الأوروبية تتعرض لضغوط هائلة من جماعات يهمها تخفيض تكلفة تربية السمك.

وتعتمد الطريقة التي سيعود إليها مربو الأسماك مجددا في مزارع دول الاتحاد الأوروبي، على إطعام الأسماك بروتينات حيوانية مستخلصة من لحوم الخنازير والدواجن.

وجاء في تقرير أعدته اللجنة الأوروبية التي كلفت دراسة القضية، أن «هذه الطريقة ستساعد على ديمومة قطاع الحيوانات المائية؛ لأنها توفر بديلا لطحين الأسماك الذي يعد موردا نادرا»، مؤكدة كذلك توافق هذه الطريقة مع البحوث العلمية التي أثبتت هي الأخرى فاعليتها وعدم خطورتها.

وذكرت قناة «فرانس 24» على موقعها الإلكتروني، أن بروكسل أعطت الضوء الأخضر للعودة إلى هذه الطريقة في تغذية أسماك الأحواض بعد منعها داخل دول الاتحاد الأوروبي قبل أكثر من عقد جرّاء ظهور داء جنون البقر الذي أصاب الماشية في بادئ الأمر وانتقلت العدوى بعد ذلك إلى البشر، فتحول إلى مرض «كروتزفيلد جاكوب»، الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص في العالم، معظمهم في بريطانيا.

وعلى الرغم من تطمينات الدوائر الأوروبية المتخصصة، فإن عددا من الجمعيات والمنظمات التي تعنى بالمستهلك والصحة دقت ناقوس الخطر بمجرد إعلان بروكسل العودة إلى هذه البروتينات الحيوانية المحولة لتغذية الأسماك والحيوانات المائية.

وتطلق «آفاز» حملاتها بـ16 لغة، يقوم عليها فريق ممتد في ست قارات، إضافة إلى آلاف المتطوعين، وتتخذ الإجراء المناسب من توقيع العرائض وتمويل الحملات الإعلامية والإجراءات المباشرة وإرسال الرسائل الإلكترونية لحشد المواقف أمام الحكومات وتنظيم المظاهرات والفعاليات، لضمان أن آراء وقيم شعوب العالم تؤثر في القرارات التي تمسّ الجميع.

إلى ذلك، قال محمد الخلف، رئيس مجلس إدارة الشركة العالمية المتخصصة في استيراد اللحوم والأغذية، لـ«الشرق الأوسط»، إن السعودية سبق أن أصدرت الكثير من القرارات بمنع استيراد المواد الغذائية من كثير من الدول، إضافة إلى أنها تعمل على حفظ حقوق المستورد السعودي كاملة تجاه المصدر في حالة ثبوت عدم سلامة هذه الواردات أو عدم صحة الشهادات المصاحبة لها.

وأضاف الخلف أن المستورد يكون مسؤولا عمّا يخالف التعليمات والضوابط المفروضة من قبل الجهات المعنية، مع التأكيد على كافة المستوردين بتأمين حاجة السوق السعودية من المصادر الأساسية المأمونة مباشرة وتجنب البلدان الموبوءة، على أن تكون جميع الإرساليات مصحوبة بشهادات صحية رسمية تؤكد سلامتها وصلاحيتها للاستهلاك الآدمي.

وكانت شركتا «فيندوس» و«كوميجل» لإنتاج اللحوم الجاهزة، إضافة إلى سلسلة المتاجر الكبرى في فرنسا وبريطانيا؛ قد سحبتا منتجاتهما خلال الأسابيع الماضية بعد أن كشفت الاختبارات احتواءها على لحوم الخيل بنسبة 100 في المائة، فيما عرف لاحقا بـ«فضيحة لحوم الخيول» التي كشفت عن شبكة معقدة للموردين والمنتجين والموزعين في صناعة اللحوم، وجرى ربط شركات في فرنسا ولوكسمبورغ ورومانيا وآيرلندا وقبرص وهولندا بتلك الفضيحة.

وأعلنت السلطات السعودية حينها مقاطعة عدد من هذه الشركات المتورطة في الفضيحة، فضلا عن تأكيدات هيئة الغذاء والدواء أنها تعكف على دراسة الموضوع والتحقيق فيه من جميع أبعاده، وتم أخذ عينات من شحنات وردت للسعودية، إلى جانب عدد من الجولات التي أجريت للتأكد من عدم وصولها للسعودية، والحفاظ على صحة المجتمع.

وخلال الأعوام القليلة الماضية، واجهت السعودية بنجاح تداعيات أمراض تظهر للمرة الأولى على مستوى العالم، منها إنفلونزا الطيور التي اجتاحت العالم عام 2007م، إذ حشدت السعودية إمكاناتها وأعلنت وزارة الصحة استنفارا عاما في مناطق المملكة كافة، بعد ظهور حالات إصابة محدودة من جراء المرض.

وفرضت السلطات السعودية حينها حظرا شاملا على صيد الطيور المهاجرة بجميع أنواعها بأي وسيلة كانت؛ تلافيا للاحتكاك والمخالطة بطيور قد تكون مصابة، إضافة إلى متابعة مزارع الطيور بأنواعها، وتكثيف تطبيق الإجراءات الوقائية الاحترازية واتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة، وإجراء عمليات فحص دورية، فضلا عن إتلاف كميات كبيرة من الطيور والدواجن المشتبه في إصابتها بالمرض خشية انتقاله إلى البشر.

ولم تكد تهدأ موجة الإنفلونزا هذه حتى تبعتها أخرى مشابهة عندما انتشر مرض إنفلونزا الخنازير (H1N1) في العالم عام 2009م، ما وضع السعودية أمام تحدٍّ كبير؛ لأن انتشار المرض تزامن مع الاستعداد لاستقبال موسم الحج الذي يفد فيه ملايين المسلمين من أرجاء العالم لأداء الفريضة في مكة المكرمة.

وبلغ حجم الإصابات بمرض إنفلونزا الخنازير في السعودية بحسب إحصاءات رسمية أعلنتها وزارة الصحة وقتها، أكثر من 600 حالة، توفي بعضها، إلا أن المملكة تواصلت مع منظمات صحية دولية ودول متقدمة لتحديث خطة العلاج التي تقضي بأن يتم علاج الحالات المصحوبة بالمضاعفات من دون الحاجة إلى انتظار ظهور نتائج الفحص المخبري للمريض.

وأمنت السعودية كميات كافية من الأدوية، وبلغ عدد اللقاحات التي حجزتها نحو أربعة ملايين جرعة، فضلا عن عقدها اجتماعات متواصلة مع بعثات الحج في جدة قبل موسم الحج بهدف وضع برنامج توعوي للممارسين الصحيين، ووضعت خطة لمواجهة المرض في موسم الحج بمشاركة 50 خبيرا دوليا دعوا خصيصا لهذا الغرض، ثم جرى إرسالها إلى جميع الدول عن طريق وزارة الخارجية.
وبين هذا وذاك، فاجأت الصين العالم أيضا بما عرف حينها بـ«فضيحة حليب الأطفال الملوث» التي ظهرت للعالم في 2008م، إذ كشفت السلطات الصينية عن شبكة من التجار الذين يضيفون مادة الميلامين الصناعية الغنية بالنتروجين إلى الحليب المخلوط بالماء من أجل جعله يبدو وكأن نسبة البروتين مرتفعة فيه بغرض الربح المادي، بينما كانت شركات الألبان الكبرى تشتري هذا الحليب الملوث من دون أن تتأكد من نقائه أو خلوه من الشوائب، وكانت النتيجة تسمم عدد كبير من الأطفال الرضع نظرا لاعتمادهم شبه الكلي على الحليب.

وكغيرها من دول العالم التي تستورد الكثير من المنتجات الصينية، تأثرت السعودية بهذه المشكلة، فسارعت وزارة التجارة والصناعة السعودية إلى التأكيد على أنها لا تستورد أي منتج حليب صيني، بينما طمأنت كل من هيئة الغذاء والدواء وهيئة المواصفات السعودية الأهالي بأن منتجات حليب الأطفال المتداولة في الأسواق السعودية خالية من الملوثات.

وذكرت هيئة الغذاء والدواء السعودية وقتها أنها خاطبت وزارة التجارة والصناعة للتأكد من عدم وجود أي من منتجات الحليب الصيني في الأسواق السعودية، وعدم فسح منتجات حليب منشؤها الصين، سواء مستوردة مباشرة أو معادا تصديرها إلى الأسواق السعودية، إضافة إلى التأكد من عدم تسربها إلى الأسواق المحلية من خلال دول أخرى، وذلك كإجراء احترازي.

وأعادت فضيحة «لحوم الخيول» التي ضجت بها أوروبا أخيرا، إلى الذاكرة استنفار السلطات السعودية عام 2005 والتحقيقات الموسعة التي فتحتها الجهات المتخصصة بعد اكتشاف أن عددا من الشركات الأميركية تستخدم الحيوانات النافقة في تصنيع بعض المواد الغذائية، خصوصا البروتين، وبعض مستحضرات التجميل. وتعتمد هذه الطريقة على إذابة لحوم الحيوانات النافقة، ومنها الفئران والخنازير والقطط والأحصنة والكلاب ومشيمات الإجهاض البشري وغيرها، لاستخلاص مادة البروتين واستخدامها في تصنيع مواد غذائية وبعض المنتجات الأخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق