كمبردج (ولاية ماساتشوستس الأميركية): «الشرق الأوسط» *
هل تريد «تحسين فكرك» هذه الليلة؟ عليك إذن بتناول وجبة غذاء من «غذاء الدماغ الخاص»؛ وهو قطعة طرية من سمك السلمون الطبيعي البحري في صلصة الكاري، مع صحن من الأرز البني المخلوط بالعدس، مضافا إليه سلطة من السبانخ الرقيقة التي يرش عليها زيت الزيتون، وتوضع فوقه رقائق من اللوز. أما طبق الحلويات، فهو طبق من شرائح البرتقال وثمار العنبيات.
هذا الغذاء، إضافة إلى إثارته الحواس وإشباعه الجوع، سيضخ في جسمك كل العناصر الغذائية التي يعتقد الباحثون أنها ربما تكون الأساس للحفاظ على صحة المخ والدماغ.
وتستند هذه القائمة من الطعام إلى أسس غذاء البحر الأبيض المتوسط المحتوية على البروتينات الخالية من الدهون (خصوصا السمك)، والخضراوات ذات الأوراق الخضراء، والحبوب الكاملة غير المقشرة، والبقول، والمكسرات، والفواكه الغنية بمضادات التأكسد، والدهون الأحادية غير المشبعة مثل زيت الزيتون.
وقد ظل الباحثون يهللون لهذه السلسلة الغذائية بوصفها المقياس الذهبي للغذاء الصحي للقلب. وهناك عدد متزايد من الدلائل التي تشير إلى أنها مفيدة للمخ أيضا.
حماية شرايين الدماغ
* وقد وجد باحثون من جامعة كولومبيا درسوا العادات الغذائية لـ2258 شخصا بالغا، أن الأشخاص الذين كانت عاداتهم الغذائية تتقارب مع النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط (المتوسطي)، قل تعرضهم للإصابة بمرض ألزهايمر بنسبة 40% مقارنة بالآخرين الذين ابتعدت عاداتهم الغذائية كثيرا عن ذلك النظام.
كما وجد باحثون من جامعتي هارفارد وكولومبيا صلة بين اتباع النظام الغذائي المتوسطي هذا وازدياد حمايتهم من التعرض لمرض باركنسون، ومن الإصابة بالمرحلة المبكرة من ضعف الدماغ التي يطلق عليها اسم «تدهور الإدراك».
ويمكن للنظام الغذائي المتوسطي أن يقدم الفائدة للدماغ للأسباب نفسها في تقديمه الفائدة للقلب ولكل الدورة الدموية للجسم؛ إذ إنه يجهز الجسم بمكونات تقيه من الأضرار التي تقع للأوعية الدموية.
وبوصفها جزءا من دراسة للجمهور حول أخطار السكتة الدماغية، نفذ الباحثون عملية تصوير للدماغ بجهاز الرنين المغناطيسي على مجموعة من 1000 شخص بالغ من مجموعات عرقية مختلفة بهدف رصد مؤشرات على أضرار وقعت للأوعية الدموية يطلق عليها اسم «الأجزاء البيضاء عالية الكثافة» white matter hyperintensities (WMHs). كما خصصوا أيضا مستوى معينا لتحديد مدى تقارب تناول الأفراد الأطعمة، مع النظام الغذائي المتوسطي.
وظهر أن الأفراد الذين كانت لديهم أقل درجات النظام الغذائي المتوسطي (أي البعيدين عنه) كانوا يميلون لأن يكون لديهم حجم أكبر من «الأجزاء البيضاء عالية الكثافة».
كما ربطت أبحاث أخرى بين الأخطار على القلب والأوعية الدموية، مثل ارتفاع ضغط الدم أو التدخين، وظهور حجم أكبر من «الأجزاء البيضاء عالية الكثافة»، ومع تدهور أكثر في الإدراك في سنوات العمر المتقدمة.
دهون «أوميغا - 3» الممتازة
* وللتعمق أكثر في فهم كيفية تغلغل أطعمة نظامك الغذائي هذا إلى رأسك، تعال لكي نفكك في دقيقة واحدة «غذاء الدماغ الخاص».
الطبق الرئيسي، وهو سمك السلمون هو مصدر رئيسي لدهون «أوميغا - 3». وإضافة إلى دورها في الوقاية من انسداد الشرايين في كل أنحاء الجسم، توفر «أوميغا - 3» المواد الأساسية لبناء خلايا الدماغ.
وقد وجد الباحثون رابطة بين قلة تناول الأسماك الدهنية مثل السلمون وازدياد خطر الإصابة بالخرف. وفي دراسة نشرت بداية هذا العام في مجلة «نيورولوجي»، قارن الباحثون بين مستويات «أوميغا - 3» في الدم لدى أشخاص، وبيانات عن أدمغتهم استخلصت من التصوير بأجهزة الرنين المغناطيسي ومن اختبارات الإدراك. وظهر أن الأشخاص الذين كان لديهم تركيز أقل من هذه العناصر الغذائية كانوا أسوأ في اختبارات التقييم وفي مهارات التفكير، مثل الذاكرة وحل المسائل.
كما كشفت صور الدماغ عن ازدياد ضمور الدماغ لدى هؤلاء الأشخاص، ودلائل أخرى على الشيخوخة المبكرة. وتفترض بعض الأبحاث أن دهون «أوميغا - 3» ربما تساعد الدماغ بدفعها له على تقليل إنتاج بروتينات «بيتا - أميلويد» وهي علامة على الإصابة بمرض ألزهايمر.
وإن كانت فوائد «أوميغا - 3» للدماغ غير كافية لتحفيزك على تناولها، فإن السلمون هو أيضا مصدر جيد لمواد الكولين choline. وهذه المادة، وهي عنصر غذائي غير معروف كثيرا، تسرع إفراز مادة «أسيتيلكولين» acetylcholine وهي بروتين يحمل الإشارات في ما بين خلايا الدماغ. ويمتلك دماغ الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر مستويات أقل من «أسيتيلكولين» مقارنة بالأشخاص الأصحاء. كما أن بعض الدراسات أظهرت أن الأشخاص الذين يتناولون الكثير من الكولين ينفذون اختبارات الذاكرة وقدرات الإدراك الأخرى بشكل أفضل.
وقد تكون صلصة الكاري في طبقنا الأول منشطة للدماغ أيضا. فالكركم، وهو عنصر لم يعد سريا الآن، ذو اللون الأصفر الفاقع، يمتاز بتاريخ طويل في الطب الصيني والهندي. ورغم أن النتائج عن فوائده جاءت من دراسات قليلة، فإن الكركم قد يمتلك قدرة درء تشكيل طبقات «بيتا - أميلويد» في الدماغ. ولكن يجب أن يتم التأكد من تأثيراته هذه بعد إجراء تجارب مراقبة عشوائية.
المكسرات
* رغم أن زيت الزيتون هو أبرز مكونات النظام الغذائي المتوسطي، فإن المكسرات التي يمكن تناولها مع السلطة مهمة أيضا.
وقد قارنت دراسة أجريت على 243 من البالغين الكبار في إسبانيا بين مجموعة مراقبة اتبعت النظام الغذائي المتوسطي القياسي، وبين مجموعتين اتبعتا نوعين من النظام: الأول تضاف إليه كمية زائدة من زيت الزيتون، والثاني تضاف إليه المكسرات.
وبعد نهاية فترة متابعة استمرت ثلاثة أعوام ظهر أن الأشخاص الذين تناولوا المكسرات قلت لديهم بنسبة 78% احتمالات أن تكون لديهم مستويات قليلة من بروتين يسمى عامل تغذوي عصبي مشتق من المخ brain-derived neurotrophic factor (BDNF) في الدم مقارنة بالآخرين الموجودين في مجموعة المراقبة.
ويشجع هذا البروتين على نمو الخلايا وعلى تبادل الإشارات داخل الدماغ.
كما يرتبط نقص هذا البروتين مع حدوث اضطرابات عصبية ومزاجية. وكان الأشخاص الذين شهدوا تحسنا أكثر في مستوى هذا البروتين هم الأشخاص الذين تناولوا المكسرات عندما كانوا يعانون من الكآبة في بداية الدراسة.
طبق الحلويات
* رغم لذتها، فإن أطباق الحلويات تكون مشبعة بالسكر والدهون المشبعة التي تلعب دورا سيئا في صحة الدماغ، إلا أن طبقا من شرائح البرتقال ومن ثمار العنبيات يحتوي على مركبات تحمي الدماغ.
وقد أظهرت نتائج تحليل للعادات الغذائية لـ69 ألف امرأة في «دراسة هارفارد لصحة الممرضات» التي نشرت بداية هذا العام، أن الأفراد الذين تناولوا يوميا كميات كبيرة من «الفلافانونات» flavanones –وهي المركبات التي توجد في فواكه الحمضيات، قل لديهم خطر التعرض لسكتة دماغية ناجمة عن انسداد في الشرايين بنسبة 19%.
كما أظهرت أبحاث أخرى أن مركبات «أنثوسيانين» anthocyanins، وهي عائلات من مضادات التأكسد التي تمنح ثمار العنبيات لونها الأزرق، ربما تساعد في درء حدوث ارتفاع ضغط الدم، وهو عامل خطر رئيسي في حصول السكتة الدماغية.
* «رسالة هارفارد الصحية» خدمات «تريبيون ميديا»