السبت، 1 ديسمبر 2012

لماذا غالبية الطهاة في العالم رجال؟





المرأة طاهية في المنزل والرجل يحلق في سماء الشهرة


فريد سيريكس مدير مطعم «غالفن أت ويندوز» في لندن
أنجيلا هارتنيت من أشهر الطاهيات في بريطانيا

لندن: جوسلين إيليا 

يعيش العالم اليوم فورة ملحوظة في عالم الطعام، وهنا لا نتكلم فقط عن العالم الغربي إنما نتكلم عن العالم العربي أيضا، التلفزيونات تخصص ساعات متواصلة على الهواء لتقديم برامج الطهي التي يقدمها أشهر طهاة العالم، وتلفزيونات خصصت بالكامل لبث برامج الطهي، وهنا نقول «طهاة» العالم وليس «طاهيات» العالم لأن عدد الطاهيات لا يمكن مقارنته بعدد الطهاة، وهذه قد لا تكون ظاهرة اجتماعية جديدة إنما هي حالة تفرض نفسها على المهنة التي نراها ملاصقة للنساء ولكنها في الواقع مهنة الرجال بلا منازع.


المرأة، الأم، الزوجة، الجدة، هي من يتولى في غالبية الأحيان مهمة تحضير الطعام في المنزل، فهي ربة وقائدة المنزل، تقوم بمهام الطهي إلى جانب أشياء أخرى كثيرة تقع في نطاق الزوجية والأمومة، فالمعروف عن المرأة أنها تستطيع تأدية أكثر من عمل في نفس الوقت، فمهمة الطهي ليست صعبة بالنسبة إلى المرأة الماكثة في البيت أو المرأة العاملة، ولكن وفي جميع الأحوال تقوم المرأة بتحضير الطعام في مطبخ منزلها بكثير من الحب، فلا عجب أن يكون طهي المرأة هو الطريق الأقصر لقلب الرجل.


ولكن إذا ما نظرنا من حولنا إلى ألمع أسماء نجوم الطهي في العالم أمثال الشيف غوردن رامسي وجايمي أوليفر وميشال رو الكبير والصغير وبيير غانيير وتييري ماركس وجويل روبوشون وألين دوكاس وإيريك فريشون وهيستون بلومنتال والشيف البارع أسامة السيد والشيف رمزي الشويري... نلاحظ الشح في أسماء الطاهيات، ففي بريطانيا لا يتعدى عدد الطاهيات اللامعات أمثال الطاهية الحسناء نايجيلا لوسن وأنجيلا هارتنت وديليا سميث عدد أصابع اليد، وبعضهن شهيرات على مستوى بريطانيا فقط وليس على الصعيد العالمي، وقد تكون الطاهية الأسطورة جوليا تشايلد حالة خاصة كونها استطاعت خرق الجدار الذي يحد من شهرة النساء في هذا المجال منذ أكثر من 100 عام.


الموضوع هنا ليس بهدف التمييز على أساس الجنس، انما السؤال الذي لا بد أن خطر على بال الجميع هو: لماذا غالبية الطهاة المشاهير رجال وليسوا نساء؟

أثناء مقابلة اجرتها «الشرق الأوسط» مع الطاهي ميشال رو صاحب مطعم «لو غافروش»، جاوب رو على السؤال الذي نطرحه بالقول: «الطاهي الرئيسي في مطبخي امرأة، أنا اعتقد بأن المرأة الطاهية لها مكانتها ويمكنها القيام بمهنة الطهي على أكمل وجه تماما مثلما يفعل أهم الطهاة الرجال»، وتابع رو: «عدد الطهاة الرجال بالمقارنة مع النساء أعلى وذلك يعود لما تتطلبه هذه المهنة، فمهنة الطهي مهنة شاقة ولكن هذا لا يعني بأن المرأة لا يمكن أن تبرع فيها».
ورد فريد سيريكس مدير مطعم «غالفن أت ويندوز» في فندق هيلتون في بارك لاين في لندن على السؤال نفسه بالقول: «صحيح ان هناك طهاة رجال أكثر من الطهاة النساء في العالم، والسبب هو أن هذه المهنة مضنية بالفعل، فإلى الجانب الابداعي، يلعب الجانب البدني دورا كبيرا أيضا، فيتحتم على الطاهي في كثير من الاحيان حمل عبوات ثقيلة الوزن، كما أن ساعات العمل طويلة جدا وغير ملائمة للنساء، لا سيما إذا كان لديهن أطفال، ففي الكثير من الاحيان تحتم المهنة عمل ووجود الطاهي أو الطاهية في المطبخ لأكثر من 12 ساعة متواصلة في اليوم «.


الخبر السار في مجال الطهي على المستوى العالمي هو أن نسبىة النساء اللاتي حصلن أخيرا على نجوم ميشلان للتميز هذا العام، أكثر بكثير من ذي قبل، وبحسب الطاهية البريطانية انجيلا هارتنت فإن هذه النتيجة تفرح قلبها، ولكن إذا قمنا بمقارنة لائحة الطهاة الرجال الحأصلين على نجوم ميشلان مع الطاهيات النساء على نفس المستوى نرى بأن المرأة لا تزال وراء الرجل في هذا المضمار الذي يعتبر صفة ملاصقة للمرأة ولكن في الواقع هو مهنة الرجال.وتتابع هارتنت بأن الشيء الإيجابي في الموضوع هو انه هناك إقبال ملحوظ من قبل السيدات على امتهان مهنة الطهي بغض النظر عن ساعات العمل الطويلة التي لا تتناسب مع الارتباطات الاجتماعية والعائلية.

حاليا هناك 11 طاهية في بريطانيا تحمل نجوم ميشلان وهذا الكثير ضئيل بالمقارنة مع عدد الطهاة الذكور الحاملين لراية ميشلان في العالم ولكن هذا لا يمنع فكرة أن المرأة تتحدى الصعوبات التي تفرضها هذه المهنة، وبحسب ما قالته الطاهية هارتنت: «لا يجب الحكم على طهي المرأة بحسب جنسها، إنما يجب الحكم على نوعية الطعام ومستوى الطبق من حيث التقديم والنكهة والابداع».

وفي استطلاع للرأي اجرته «الشرق الأوسط» مع عدد من الطهاة العالميين كان هناك إجماع على ان الطهاة هم أكثر من فئة الذكور، لأن العمل في المطبخ في أحد المطاعم المهمة هو أكثر ملاءمة للرجال منه للنساء، فعندما يكون هناك ضغط في العمل تشتد حدة الكلام ما بين الطهاة وقد تشعر الطاهية الانثى بالحرج من المفردات التي يستعملها الطهاة فيما بينهم، وفي بعض الاحيان تشعر المرأة بالانزعاج عندما تكون وحيدة بين أكثر من 6 طهاة في المطبخ وقد تشعر بالغربة، والجانب البدني هو الأهم في الموضوع، وفي المطبخ يتعرض الطاهي أو الطاهية للحروقات الطفيفة أو البالغة والجروح، كما أن العمل في المطبخ في وقت الذروة يتطلب الكثير من السرعة والقدرة على تحمل الضغط، فقد تكون المرأة أفضل من الرجل من حيث التزيين والاهتمام بالتفاصيل إلا أنه تحت وطأة الضغط قد يستطيع الرجل التحمل أكثر وتنفيذ الاطباق بوقت اسرع، وهذا ما أجمع عليه الطهاة التي قامت «الشرق الأوسط» بالاخذ بآرائهم في الموضوع.

وفي بعض الاحيان قد يكون من الصعب على المرأة التي تختار الطهي مهنة لها ان تؤلف عائلة، ولكن هذا الأمر ليس مستحيلا وقد تكون الطاهية إيلين داروز خير مثال على ذلك، فهي تحمل نجمتي ميشلين وبنفس الوقت هي أم ولديها طفلان، كما أن الطاهية سالي كلارك ناجحة في عملها ولديها طفل وتدير مطعما بنفسها منذ أكثر من 20 عاما.

بشكل عام، هناك إقبال واضح من الجيل الصاعد على احتراف مهنة الطهي، وهذا يعود إلى جني الأموال الذي تحققه هذه المهنة في الكثير من الاحيان، كما أن الطهاة الذين استطاعوا الوصول إلى النجومية حققوا ثروات مالية طائلة وحققوا أيضا نجومية تضاهي نجومية ممثلي هوليوود، وفتحت البرامج التلفزيونية الباب على مصراعيه للطهاة الواعدين من خلال برامج المسابقات مثل «ماستر شيف» و«توب شيف»، وهذا على الصعيد العربي أيضا إذ إن التلفزيونات العربية تبنت أفكار برامج الطهو الأجنبية وعربتها وحولتها إلى برامج عربية يشارك فيها عدد من المواهب من مختلف البقاع العربية، وحقق برنامج «توب شيف» بنسخته العربية التي تقدمه المؤسسة اللبنانية للإرسال نجاحا واسعا في موسمه الماضي وشارك فيه عدد من المواهب الواعدة ولكن العنصر الذكوري كان طاغيا مع مشاركة خجولة لبعض من الاناث من الأردن والسعودية ولبنان.

ولا بد ان نتكلم عن الناحية المادية، فما لا شك فيه هو ان مهنة الطهي صعبة ولا يمكن ان يفهمها الا من دخل معترك الطهي على المستوى الحرفي أو المهني، فساعات العمل طويلة مرهقة، لا يستطيع الطاهي أو الطاهية الالتزام بمواعيد عائلية أو الحصول على فرصة خلال فترة الاعياد والمساء.. إلا أن هذه المهنة أصبحت تدر حاليا الكثير من المال على أصحابها، وخصوصا على الذين تلمع أسماؤهم في عالم الطهي على المستوى الرفيع، ولكن نعود إلى التمييز الجنسي لنلاحظ من خلال دراسة أجراها الاتحاد الأميركي للطهي العام الماضي، بينت أن هناك فجوة واضحة تميز راتب الطاهي الذكر عن راتب الطاهية الانثى وتخطى راتب الطاهي بواقع 18 ألف دولار أميركي في السنة راتب الطاهية الانثى.كما أن ساعات عمل الطاهية الانثى تعدت في الكثير من الاحيان عدد ساعات عمل الرجل في المطبخ ولو ان راتبها اقل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق