في الوقت الذي يعاني فيه العالم من ازدياد معدلات الجوع، تبتلع صناديق القمامة ما يعادل نصف الغذاء المنتج في العالم تقريبا، ولم تقتصر هذه الظاهرة على الدول الصناعية فقط بل وصل للدول النامية أيضا بسبب السلوك الغير رشيد للمستهلكين.
وللحد من هذه الظاهرة المتفشية في العالم، يسعى بعض الخبراء والمسئولين للحد منها والاستفادة من إهدار الطعام في توفير ذلك المال واستغلاله في إنشاء المدارس، أو الاستفادة من الطعام نفسه بتوزيعه على الفقراء والمحتاجين.
من جانبة كشف تقرير بريطاني أن نصف الغذاء المنتج في العالم تقريباً يكون مصيره في القمامة، لسوء أعمال الحصاد والتخزين ووسائل النقل، وبسبب السلوك غير الرشيد للبائعين والمستهلكين.
وذكر التقرير الذي أعدته "مؤسسة المهندسين الميكانيكيين" ومقرها لندن، أن العالم ينتج حوالي أربعة مليارات طن متري من الغذاء سنوياً، لكن 1.2 مليار طن إلى مليارين منها لا يؤكل.
وكتب معدو التقرير الذي نشر أمس الخميس: "يمثل هذا المستوى من الخسارة مأساة يجب ألا تستمر إذا كنا نريد أن نربح تحدي سد احتياجاتنا الغذائية في المستقبل".
الغذاء بالقمامة
وأفادت دراسة نشرتها المجلّة العلميّة "بلوس" PLOS مؤخراً أنّ 40% من الغذاء المتوافر في الولايات المتّحدة الأمريكيّة ينتهي في سلال المهملات وصناديق القمامة، وفي ذلك تبذير لربع كميّات المياه الصّالحة للشرب التي استُخدِمت في إنتاج هذه الأغذية، وتبذيرٌ أيضاً لـ 300 مليون برميل من النّفط لإنتاجها في السّنة أيضاً.
وفي دراسة علمية أخرى نشرتها مجلة "ذي سيانتيست" (scientist The) تبيّن أن 25% من الغذاء الذي يتمّ شراؤه في بريطانيا يُلقى به في صناديق القمامة.
كما قام المعهد الوطني للصحّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة بتقدير الفارق بين كميّات الغذاء المتوافرة في البلد واستهلاك المواطنين لها، وذلك باعتماد متوسّط وزن السّكان، فتبيّن أن كلّ مواطن أميركي يستهلك 2300 وحدة حراريّة في اليوم، بينما تقدّر كميّة الغذاء المتوافرة له بـ 3800 وحدة حراريّة.
وازداد استهلاك الأمريكيين خلال السنوات الثلاثين الأخيرة بنسبة 30% وازداد تباعاً متوسّط وزن المواطن الأمريكي بالنسبة نفسها. ومع تبذير الغذاء وتراجع نوعيته ازدادت نفقات المواطن الصحية.
لوا تتوقّف ظاهرة التّبذير على البلدان المصنّعة والغنيّة بل نجدها أيضاً في البلدان النامية حيث تتراوح كميّة الغذاء التي تبذَر بين 10 و 60% من المحاصيل الزّراعية، تقدّر قيمة هذا الغذاء المبدّد بـ 13 مليار يورو سنوياً، أي 530 يورو للعائلة الواحدة في السّنة الواحدة.
وتخشى الأوساط الدولية من خلال الأمم المتحدة والباحثين الذين يدورون في فلكها، تخشى على الأجيال الجديدة الوافدة من قلّة الغذاء، غير أن هذه القلّة ليس ثمة ما يُخشى منها إن أحسنت الأوساط الدولية التي تُشيع "مخاطر التزايد الديمغرافي بسبب النقص الغذائي في العالم"! والحق أن ما تجب الخشية منه هو نقص السعادة التي تفتقدها حتى الأجيال الحالية لا بسبب توافر الغذاء أو عدمه، بل بسبب انعدام السعادة بعدما تحوّل الإنسان إلى آلة تأكل وتنام وتعمل ولا محلّ في حياته ليكتشف إنسانيته أو يمارسها.
تركيا أيضا
ولم يقتصر هذا الامر على أمريكا فقط ، فقد أظهرت إحصاءات تركية حديثة أن آلاف الأطنان من المواد الغذائية - لاسيما الخبز - تلقى سنويا في القمامة، ويترتب على هذا خسائر مالية فادحة تعادل رواتب 120 ألف موظف طبقا للحد الأدنى من الأجور.
ففي الوقت الذي تتبوأ فيه الجمهورية التركية مكانة اقتصادية مرموقة بين دول العالم، تطفو على السطح ظاهرة الإسراف في استخدام المواد الغذائية، لاسيما الخبز، الذي أصبح الفائض منه يلقى في حاويات القمامة.
ودفع هذا الوضع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان للتحذير منه قائلا: "الإحصاءات الأخيرة أظهرت أن تركيا تسرف 500 طن من الخبز يوميا، و550 ألف طن سنويا، أي ما يوازي تقديم مرتب شهري لأكثر من 100 ألف شخص طبقا للحد الأدنى من الأجور، وهذه ظاهرة ترفضها الحكومة والمواطن في آن واحد".
وتثمينا لهذا الموقف ذكر مواطن تركي: "هناك عواقب اقتصادية وخيمة تترتب على هذه الظاهرة، حيث يقدر ثمن المواد الغذائية المهدرة سنويا في تركيا ما يعادل تكلفة بناء 500 مدرسة".
يشار إلى أن 10 ملايين شخص يموتون سنويا بسبب المجاعات ونقص المواد الغذائية في العالم، في حين يهدر العالم أكثر من مليار طن من المواد الغذائية في مشهد متناقض.
تجارب ناجحة
وحظيت قضية إهدار الطعام بالنفايات باهتمام الكاتب البريطاني تريسترام ستيوارت وقد سعى لرفع مستوى الوعي بكمية الطعام التي تهدر في بريطانيا، مطلقا حملة لمحاربة هذه الظاهرة.
وفي تجربة عملية للاستفادة من ستة أطنان من الفاكهة والخضار رفضت محلات السوبر ماركت في لندن قبولها من المزارعين لعيوب في الشكل، وكان مفترضا أن تلقى في القمامة، تم إعداد خمسة آلاف وجبة مجانية وزعت في وسط لندن.
وبدلا من التخلص من هذه الأطعمة تحولت إلى شكل حساء وعصائر وأشكال أخرى من الطعام أو الشراب تناولها الناس خلال استراحة الغداء.
وأخبر تريسترام ستيوارت هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" أنه يأمل أن يقل عدد المهدرين للأطعمة الصالحة نتيجة حملته هذه.
وقال تريسترام "إن الهدف من وجبة الغداء التي نوزعها هو تسليط الضوء على كيفية تجنب إلقاء المواد الغذائية عن طريق حسن استخدامها على سبيل المثال إطعام الناس".
إن هدر الغذاء يمثل مشكلة كبيرة في العالم كله، يقول "قسم محاربة إهدار الطعام" في الحكومة البريطانية إن ما يقرب من 8.3 ملايين طن من المواد الغذائية يتم التخلص منه كل عام ، وهو ما يكفي لملء 4700 مسبح أولمبي.
واحدة من الأسباب الرئيسية للمشكلة هو أن المتاجر الكبرى لا تقبل تخزين الفواكه والخضروات لأسباب شكلية، وهناك سبب آخر هو أن الناس يختلط عليهم تواريخ صلاحية الأطعمة ويتخلصون مها في وقت مبكر لاعتقادهم عدم صلاحيتها، والمأمول من هذه الحملات تشجيع الناس على التمهل قبل رمي الطعام.
وبلاد المسلمين لا تخلوا من هذه المشكلة، فقد كونت جمعيات خيرية على سبيل المثال في السعودية للاستفادة من بقايا أطعمة الولائم والحفلات وإعادة تهييئها لتوزيعها على المحتاجين.
كذلك أنشئ في مصر "بنك الطعام المصري" لتوعية المجتمع بعدم إهدار الطعام والاستفادة من جميع المصادر المتاحة من مواد غذائية ومحاصيل زراعية من فوائض التصدير لتحقيق أهداف البنك.