الثلاثاء، 23 ديسمبر 2014

قطعة الخشب التي تحولت إلى حلوى الميلاد الشهيرة من موقد النار إلى واجهات محلات أهم طهاتها

 
 حلوى من تصميم لو نوتر
 
غرونوبل: سيمون نصار
الانتقال من زمن إلى آخر له أثر مدهش، فالعادات والتقاليد المتبعة في أزمنة محددة تتغير في أزمنة أخرى، وقد تتطور، وقد تنقرض ويمحى أثرها الزمن والأجيال المتعاقبة. يحصل هذا عند شعوب وأمم مختلفة. من هذه التقاليد حلوى عيد الميلاد (La bûche de Noël) التي كانت خشبة توضع في الموقد لتشع حرارتها على كل أفراد العائلة، ثم شيئا فشيئا ذهبت الخشبة وحلت محلها الحلوى الشهية التي تزين واجهات المحال الصغيرة وصولا إلى المراكز التجارية الضخمة. كما تحولت عند بعض محال العلامة التجارية إلى فن قائم بذاته.

بدأ تقليد وضع الخشبة في موقد النار في بلاد الشمال، بدايات القرن الثاني عشر ميلاديا. في ذلك التاريخ، كان سكان شمال أوروبا يتباركون بالنار، يعتبرونها رمزا للإشعاع الإلهي الذي يحل على العائلات ليلة الميلاد. التقليد الذي يتشابه، رمزيا، مع عدد كبير من الديانات غير التوحيدية في الشرق مثل الزرادشتية والمجوسية وصولا إلى أستراليا مع السكان الأصليين الذين تتبع بعض قبائلهم هذا التقليد الذي يرمز إلى قوة تأثير النار على الإنسان، الذي يعتقد أن للنار قوة ماورائية، لا يمكن التحكم بها، بل هي من يتحكم بالعالم. وهذه ديانات لا تزال تستعمل التقاليد نفسها التي كانت تتبعها منذ بضعة آلاف من السنين، دون أي تغيير جدي أو جوهري على التقاليد.

والحق أن أوروبا، أو شعوبها، تخلصت من هذا التقليد لأسباب شتى، ذلك أن تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فرض أنماطا مستجدة من أساليب العيش، جعلت بقوتها تغير مسار التقليد دون أن تلغيه كليا.

الفرنسيون، عشاق السكر والحلوى، كانوا أول من بدأ التغيير. لا أحد يعرف مَن صاحب الفكرة الإبداعية باستبدال الخشبة بالحلوى، لكن ملامح تغيير التقليد بدأت في عام 1884 حين فكر أحدهم بصنع قالب من الحلوى على هيئة قطعة خشبية، واستبداله بالقطعة الأصلية. تعيد غالبية المصادر التغيير إلى التاريخ المذكور، محددة بأن التغيير حدث في باريس نهايات القرن التاسع عشر. ربما كانت ربة منزل بسيطة أحبت إدهاش أطفالها وإشباعهم، وربما كان خبازا محترفا أراد خلق حالة جديدة يمكن للآخرين اتباعها. وربما فكر بها خباز يعمل في القصور كما حصل مع «pièce montée» التي عرفت منذ القرن الثامن عشر وتطورت لتأخذ الشكل الهرمي المعروف مع بيار لاكان (1826 - 1902) الذي كان الطاهي الرئيسي في قصور شارل الثالث أمير موناكو، وكتب عنها عدة أسطر الروائي الفرنسي غوستاف فلوبير في روايته الشهيرة «مدام بوفاري 1857»، وهي اليوم الحلوى الرئيسية في الأفراح والمناسبات الكبرى.

غير أن حلوى عيد الميلاد لم يُعرف صاحبها، وكما تفيد مراجع الأكاديمية الفرنسية فإن الصانع الأول غير معروف، وهذا دليل على أنه شخص مغمور لم يعرف حياة الشهرة يوما. مع ذلك فقد غير تقليدا دينيا واجتماعيا عمره بضعة مئات من السنوات. واليوم تعتبر حلوى عيد الميلاد تقليدا دارجا في فرنسا وكيبيك ولبنان وفيتنام وعدد كبير من الدول الفرنكفونية، التي تأثرت بالتقاليد الثقافية الفرنسية التي وصلت إما عبر الاستعمار والانتداب المنتهيين، كما هو الحال مع فيتنام ولبنان، وإما عبر الاستعمار الممتد ثقافيا كما هو الحال مع كيبيك.

هذه الحلوى اليوم تحولت إلى رمز للميلاد، لكنها كذلك باتت مادة للمبارزة التجارية بين كبار صناع الحلويات الفرنسية، فمثلا تعمد دار لونوتر للحلويات الفرنسية إلى اختيار فنان أو مصمم عالمي معروف لرسم أو تصميم هذه الحلوى سنويا مثلما حصل هذا العام، حيث صمم الحلوى بيار فراي مصمم المفروشات والأقمشة الفاخرة الباريسي، فجاءت على هيئة صالون مؤثث من الحلوى والسكر، بينما تعددت الصيغ التصنيعية عند بيار هيرميه وكريستوف ميشيلاك وجان بول هيفان وجان رو وبيار ماركوليني وفنسنت غورليه... إلخ، غير أن حلوى الميلاد التقليدية لا يمكن أن تخضع للمنافسة، حيث هي الوحيدة التي تكون عادة في متناول كل الفئات الاجتماعية في حين أن حلوى الميلاد من لونوتر يصل ثمنها إلى 130 يورو تكفي لستة أشخاص.

بعيدا عن التقليد، فإن الحلوى اليوم منسجمة أكثر مع الواقع المعاصر الذي تعيشه فرنسا، حيث توقفت المدافئ عن العمل، خصوصا في باريس، حيث تعتمد أغلبية الأبنية أنظمة تدفئة حديثة. وكذلك منسجمة مع الأنظمة والقوانين الدولية الراعية للبيئة والغابات، وبينما تبدو هذه الحلوى وكأنها خارجة من التاريخ لرسم الدهشة على وجوه الأطفال، يبقى بابا نويل محافظا على عادته في النزول من مدفئة البيت إلى المنازل لترك هداياه ووعوده لأجيال تكتشف كلما تقدمت في الزمن أن الهدية لم تأتِ من البعيد، وأن الحلوى انتهت لتعود في العام المقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق