الأحد، 6 مايو 2012

عندما كان شرب القهوة جريمة!


دارات القهوة بين من يرى بحلها وانها الشراب الطهور المبارك، ومن قال بحرمتها مفرط في ذمها والتشنيع على شربها.
 
ميدل ايست أونلاين
بقلم: عبدالمنعم عبدالعظيم
اسقيه بايدي قهوة
هل تذكر اسمهان عندما كانت تشدو بأغنيتها الشهيرة: "يا مين يقولى اهوى .. اسقيه بايدي قهوة انا انا اهوى".

وكان المنولوجست خفيف الظل عمر الجيزاوي يغني: "مالك قاعد كده بتفكر .. شايل هم كثير ومكشر .. دنيا حلوة وزى السكر .. قوم اشرب اتفضل قهوه .. انا متشكر .. اتفضل قهوة".
وأغنية: صبوا القهوة صبوا الشاي .. مرحب مرحب بالزوار. فاختلطت القهوة بالفلكلور الغنائي تعبيرا عن الكرم، وهل فكرت وانت تقدمها لضيوفك ما قصتها؟

القهوة شراب متخذ من قشر البن او منه مع حبة المحجم وكان اول ظهور لها حسبما ذكر الشيخ شهاب الدين بن عبدالغفار باليمن فقال إنه شاع في بلاد اليمن شراب يقال له القهوة تستعمله مشايخ الطرق الصوفية وغيرهم للاستعانة به على السهر في الاذكار، وكان ظهورها على يد الشبخ جمال الدين ابي عبدالله محمد بن سعيد الذبحاني.

وقال فخر الدين بن بكر بن ابى يزيد المكي ان اول من أنشأها ببلاد اليمن الشيخ العارف على بن عمرالشاذلي.
اما اول ظهورها بمصر فقال العلامة بن عبد الغفار أنها ظهرت في حارة الجامع الازهر المعمور بذكر الله تعالى في العشر الأول من القرن العاشر، وكانت تشرب بالجامع الأزهر برواق اليمن يشربها فيه اليمانيون ومن يسكن معهم في رواقهم من أهل الحرمين الشريفين، وكان المستعمل لها الفقراء المشتغلون بالرواتب من الاذكار والمديح، وكانو يشربونها كل يوم اثنين وجمعة يضعونها في ماجور كبير من الفخار الاحمر ويغرف منه النقيب بسكرجة صغيرة اثناء الذكر لإذهاب النعاس والكسل.

واشتهرت القهوة بمكة وشربت في المسجد الحرام، ولا يعمل ذكر او مولد الا بحضورها.
وفي عام 917 افتى اخوان اعجميان اشتهرا بالحكيمين لهما فضيلة في المنطق وعلم الكلام والطب بحرمة القهوة وأعانهما الشيخ شمس الدين محمد الحنفي الخطيب نقيب قاضي القضاه سرى الدين بن الشحنة وناس اخرون، وأغرى الشيخ شمس الدين هذا الامير خير بيك المعمار باشا مكة ومحتسبها على إبطالها من الاسواق ومنع الناس من شربها، وعقد لذلك مجلسا عنده وكتبوا بذلك محضرا كتبه شمس الدين الخطيب وارسلوه الى مصر وطلبوا منشورا سلطانيا بمنعها بمكة.

ثم اشهر الامير خير بك النداء بمنع شربها او بيعها، وشدد في ذلك وعزر جماعة من باعتها وكبس مواضعهم واحرق ما فيها من قشر البن، فبطلت حينئذ من السوق وصار الناس يشربونها سرا اتقاءً لشره.

وتناولها الشعراء في اشعارهم، فقال احدهم:

قهوة البن حرمت فاحتسوا قهوة الزبيب

ثم طيبوا وعربدوا وانزلوا في قفا الخطيب

وقال آخر:

قهوة البن حرمت فاحتسوا قهوة العنبْ

واشربوها وعربدوا والعنوا من هو السببْ

وفي عام 918 قدم الامير قطلباى الى مكة المكرمة 
بصحبة الركب الشريف عوضا عن خير بيك فاكثر من شربها فانتشرت اضعاف انتشارها الاول.

وفي شهر ذي القعدة سنة 932 قدم الى مكة العارف بالله سيدى محمد بن عراق فبلغه انه يفعل في بيوت القهوة (المقاهي) المنكرات فأشار على الحكام بإغلاق هذه البيوت مع تصريحه بحلها في ذاتها ولما توفى الشيخ عام 933 رجع الحال الى ما كان عليه،

 وقد منعها الشيخ شهاب الدين بن عبدالحق السنباطي وافتى بحرمتها وفي ذلك قال الشاعر:
ان اقواما تعـدوا والبلا منهم تأتَّى
حرموا القهوة عمدا وقدروا افكا وبهتا
ان سالت النص قالوا ابن عبدالحق افتى
يا اولي الفضل اشربوها واتركو ما كان بهتا
ودعوا العزال فيها يضربون الماء حتى

وفى عام 945 بينما جماعة في بيوت القهوة (المقاهي) يستعملونها في شهر رمضان بعد العشاء اذ وافاهم صاحب العسس (الشرطة)، اما من تلقاء نفسه او لأمر تلقاه فباتوا في منزل السوباشاه (الضابط) واخرجهم منها على هيئة شنيعة بعضهم في الحديد وبعضهم مربوط في الحبال ثم اطلقوا صباحا بعد أن ضرب كل واحد منهم سبع عشرة ضربة.

وعاد الحال الى ما هو عليه بعد يومين ومنعت بالقاهرة مرارا فلم تطل المدة وعلا منارها ولم يزل أمرها ظاهرا يشربها العلماء والصلحاء وطلبة العلم واماثل الفقهاء يقر بحلها اهل الافتاء ويلتمس بها إذهاب الكسل وقوة النشاط.

وفي وثائق الحملة الفرنسية أن شجرة القهوة تنبت باليمن وشجرها مغروس على خطوط مستقيمة ولها شبه بشجرة الكريز ورقها ثخين واخضراره معتم وتستمر آخذة في الكبر الى ثلاثين سنة، وغاية ارتفاعها ثمانية اذرع وزهرها ابيض وشرابها يرخي البطن وينعش القلب ويزيل الثقل والخمول، وهو نافع لهضم الطعام والزكام وآلام الرأس.

يقول شاعر في حلها:
يا قهوة تذهب هم الفتى انت لحاوى العلم نعم الشراب

شراب اهل الله فيها الشف لطال الحكمة بين العباد

نطبخها قشرا فتأتي لنا في نكهة المسك ولون المداد

ما عرف الحق سوى عاقل يشرب من وسط الزبادي زباد

حرمها الله على جاهل يقول في حرمتها بالهناد

فيها لنا تبر وفي حانها صحبة أبناء الكرام الجياد

كاللبن الخالص في حله ما خرجت عنه سوى بالسواد

وهكذا دارات القهوة بين من يرى بحلها وانها الشراب الطهور المبارك الموجب للنشاط والاعانة على ذكر الله تعالى، ومن قال بحرمتها مفرط في ذمها والتشنيع على شربها وبالغ القائل بحرمتها فادعى انها من الخمر، وقاسها به وحكم بمنع بيعها وكسر اوانيها وتعزير باعتها وبولغ في الذم فزعموا أن شاربها يُحشر يوم القيامة ووجهه أسود من قعور أوانيها.

وانتصرت القهوة وانتشرت اماكن شربها في العالم كله واستحدثوا منها عددا من الأشربة كالقهوة باللبن (النيس كافيه) وغيرها، وبعد ان كانت شربا للصوفية والذاكرين تحولت الى مشروب شعبي.
عبدالمنعم عبدالعظيم ـ مدير مركز دراسات تراث الصعيد ـ الاقصر (مصر)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق